مدخل الى الحضارة ومذاهب التفسيرية لها

السنة الأولى ل م د سد1
المقياس: مدخل إلى الحضارة
المحاضرة رقم 6 – مقاييـس الحضـارة-
تمهيد: يتبادر إلى أذهاننا ونحن ندرس الحضارة أن نطرح على أنفسنا الأسئلة التالية: هل للحضارة مقاييس أو معايير؟، بمعنى متى نقول عن شعب ما بأنه متحضر؟. وهل الحضارة تسير في مجملها نحو غاية محتومة أو مصير معين، وهل نستطيع أن نصدر حكما على حضارة ما ونحن ندرسها، بأنها حضارة متقدمة أو متخلفة، حضارة راقية أو حضارة متأخرة، أم كل الحضارات راقية ومتقدمة؟..
1-                       إتجاهات تقويم الحضارة:
أ‌-     المذهب المادي: وهو يميل إلى تفسير الظواهر التاريخية والحضارية تفسيرا ماديا، ويرى بأن مقياس الإرتقاء الحضاري يقدر بما لدى المجتمعات من إمكانيات علمية وعملية، وبما لديه من طاقات من أجل تسخير هذه الإمكانيات في تهيئة الواقع المادي لحياة الإنسان ورفاهيته. فالتقدم المادي هو أصل الحضارة وغايتها.
ب‌-                        المذهب الرومانسي: يذهب أصحابه إلى أن التحول الصناعي وما جاء به من مدنية قد أفسد على الإنسان حياته الإجتماعية، وكان سببا لكل ما نجد في حياتنا من صراعات ومتاعب وأزمات.
فالحضارة الحديثة ( أو المدنية الحديثة كما يرى كثير من الباحثين تسميتها به) هي ظاهرة  زائفة قد أخرجت المجتمع الإنساني من بساطة الفطرة ورحاب الطبيعة، وطمست ما كانت تعيش عليه المجتمعات من سنن نبيلة وقيم عليا.
ومن هذا المنطلق لا يرى هذا المذهب في المدنية الغربية أي نوع من التطور والإرتقاء.
فمقياس الحضارة في نظرهم ليس التقدم المادي، وإنما هو تلك القيم النبيلة التي كانت ترتفع بأصحابها وتتسامى بهم عن بغضاء الصراع وشراسة المنافسة.
ت‌-                       المذهب الروحي: يتسم أصحابه بالنزعة الدينية والتفكير الغيبي، وهم يتفقون مع أصحاب المذهب الرومانسي في أنهم ينقمون على المدنية الغربية، ويرون فيها خطرا يهدد بالقضاء على ما ورثته المجتمعات الإنسانية من سنن حضارية عليا، ومن شرائع أدبية وروحية خالدة.
واعتبروا المثل العليا للحضارة وللمجتمعات ماثلة في المضمون الروحي للحضارة؛ حينما التقت الأرض بالسماء فتلقت عنها قيم الحق والخير وسنن السلوك والحضارة.
2- صعوبات وضع مقاييس للحضارة:
من خلال ما سبق نستنتج صعوبة وضع مقاييس ثابتة لتقويم الحضارة وتتمثل هذه الصعوبة في أمرين:
·       أولا: تعقد الظواهر الحضارية وتباين مجالاتها مما يؤدي إلى صعوبة إيجاد قانون ثابت يمكن إخضاعها له عند إصدار الأحكام عليها كمجال العلم، الفن، الدين، السياسة، الإقتصاد، ....إلخ.
 لنفرض أننا أمام حضارتين الحضارة  تمتاز إحداهما بالتفوق العلمي والفكري في المجال النظري على حساب الميدان العملي والتطبيقي.
أما الثانية فتتميز بتفوقها في النواحي العملية على حساب النواحي النظرية. فكيف نصدر حكمنا عليهما، وكيف نفاضل بينهما؟.
مثال: المقارنة بين الحضارة اليونانية والمصرية القديمة: فاليونان كانوا متفوقين في المجال النظري مما يجعل مرحلتهم الحضارية أرقى من المرحلة المصرية.
أما إذا نظرنا للجانب العملي، فإن حضارة المصريين القدماء تعتبر متقدمة على اليونانية خاصة بالنظر إلى تقدمهم الزمني على اليونان.
·       ثانيا: تتمثل الصعوبة الثانية في أننا نتعرض للنظر إلى الأمور من خلال منظورنا الخاص فنكون ذاتيين بعيدين عن الموضوعية؛ حين نصدر أحكاما تقويمية على مراحل الحضارة، فإذا كنا في عصر تفوق فيه العلم فنقيس كل الحضارات بمقياس التفوق العلمي، وإذا كنا في بيئة تولي العقائد الدينية أكبر اهتماماتها فيصبح هذا الجانب هو المقياس وهكذا...
الخلاصة : إنه من الخطأ أن نقارن بين الحضارات على أساس مطلق، بل يجب أن نحكم على كل حضارة من خلال مقوماتها الخاصة. فيجب بذلك مراعاة الطبيعة الخاصة بكل مجتمع حين نصدر عليه أحكاما.

جزا الله خيرا
الاستاذة الحضارة الكريمة
طالب فتحي سنة 3 ادب وحضارة