منهج الدراسة الحضارية

السنة الأولى (ل م د) سد 1
مقياس: المدخل إلى الحضارة
المحاضرة رقم (5) – منهج الدراسة الحضارية –

تنطلق الدراسة الحضارية من الوحدات الحضارية، وشخصيتها وملامحها، ومن حيث كونها ظواهر اجتماعية لها أبعاد فلسفية حتى ولو جاءت تطوراتها في نسق تاريخي، ومن تفاعلاتها مع غيرها، إلخ...
1-                     نشأة الوحدات الحضارية وتطورها:
كانت المجتمعات في الماضي يعيش كل منها مستقلا عن الآخر؛ كلٌّ داخل إطاره الحضاري قائما بذاته يملك إمكاناته العملية وتصوراته الروحية، مكونا لنا وحدة حضارية قائمة بذاتها . يحس أفرادها كل منهم بأنه يشارك الباقين أفكارهم ومشاعرهم وأن حياته مرتبطة بحياتهم.
وقد تمثل أول ظهور للوحدة الحضارية في صورة القبيلة التي استمدت قوتها من رابطة الدم والقرابة، فكانت القبيلة بذلك تكون نطاقا حضاريا له قيمه التي تنظم أفراده وتنسق فيما بينهم الحقوق والواجبات.
ومع نمو الحياة الإنسانية وتطور أوضاعها النظرية والعملية انتقلت الوحدة الحضارية من مجال القبيلة إلى مجال الدين والرابطة الروحية. وبذلك اتسع المجال الحضاري، ثم انتقلت من المجال الروحي إلى المجال السياسي حيث تفرعت عن الوحدة الحضارية في صورتها الروحية وحدات سياسية وأخرى إقليمية تريد أن تنتظم في سياقها الاجتماعي جميع الروابط القبلية والشعبية والروحية على السواء.
وكلما خرجت الجماعة عن عزلتها واندمجت في غيرها من الجماعات كان ذلك اتساعا في النطاق الحضاري، بحيث يصبح هذا النطاق شاملا لطائفة من الجماعات البشرية، تجمع بينها قيم إنسانية واحدة ويجمع بينها الولاء لهذه القيم وما تستند من سنن وأنماط.
2-    أثر التطور العلمي في الدراسة الحضارية:
لقد التطور العلمي والتكنلوجي الحديث في المجتمعات إلى التقريب بين أطراف العالم المادي؛ كما أدت المخترعات الحديثة إلى تغيير وجه الحياة، ونمطها بكل مجالاتها الثقافية والاقتصادية والسياسية.
وقد أدى هذا التطور للمجتمع في عصرنا الحديث وتحول مفهومه إلى تطور الفلسفة. فجعلها
تخرج عن عزلتها التقليدية، وعن الاكتفاء بالنظر إلى القضايا المجردة والقوانين الكونية وما وراء
الطبيعة.
فكان من الضروري أن تساير الاتجاه الجديد في دراسة المجموعة البشرية. كما لم تلبث أن تفرعت إلى طائفة من الفروع ؛ تكفل كل فرع منها بدراسة ظاهرة من ظواهر المجتمع. فظهرت الدراسات الإنسانية والاجتماعية على اختلاف أنواعها وفروعها ومراجعها. إلا أنها لا تستطيع ـ رغم قيمتها العلمية كل واحدة على حدة ـ أن تشخص لنا المجتمع تشخيص قائما على النظرة الكلية التي توضح لنا ملامح المجتمع من الناحية الإنسانية والفلسفية.
لذلك ظهرت الحاجة الماسة إلى إنشاء مجال معرفي جديد هو الدراسة الحضارية، ثم تطوير ذلك إلى إنشاء علم الحضارة.
3-                     منهج دراسة الحضارة:
تستند الدراسة الحضارية  في مجال بحثها لإعطاء صورة فلسفية للمجتمع إلى أمرين هما:
1- مصنفات التاريخ التقليدية.
2-  ما ألقته الدراسات الإنسانية الحديثة من ضوء على تفاصيل الحياة الاجتماعية.
لذلك فدراسة الحضارة تحتاج إلى مجموعة من الأمور:
1- الملكة الفلسفية والقدرة على إدراك الصلة المنطقية بين ظواهر المجتمع وبين التاريخ
2- تتطلب إحاطة شاملة باتجاهات النشاط الاجتماعي، وإلماما بوجوه التفاعل بين كافة العناصر والمقومات المادية والمعنوية في مجرى الحياة واتجاهاتها.
3- دراسة مجتمع ما حضاريا تستوجب قدرا كافيا من العلم بتاريخ ذلك المجتمع بطريقة توصلنا إلى كشف واقعه النفسي ومقوماته وتصوراته التي توجه أنماطه العملية والنظرية. وما نتج عن هذه الأنماط من مظاهر سياسية واجتماعية وثقافية.
وخلاصة ذلك أن دراسة الحضارة قائمة على التعاون الشامل بين التاريخ والفلسفة والدراسات الإنسانية الأخرى؛ من أجل استخلاص صورة مجملة للمجتمع من خلال نشاطه الروحي والمادي.    

جزا الله خيرا
الاستاذة الحضارة الكريمة
طالب فتحي سنة 3 ادب وحضارة